الأحد، 6 مارس 2016

الجنس .. أصل البشرية



هل يحتمل أن يكون الجنس هو الغرض والهدف الحقيقي للوجود الإنساني؟
المتدين التقي سوف يستغرب هذا !!
وسيحمد ربه لأن الله أكرمه بدين الإسلام وأبعده عن سفاسف الأمور وقذارات الفكر !!
لكن فلنتجرد قليلا مما تعلمناه منذ بدء الخليقة ...ولنفكر في الإنسان وحده ...متجردا من كل ما خلقه فيه التطور ...ومن منتجات الحضارة ...ومن تعاليم البشر ... التي نسبوها للعقل مرة... ولله مرة أخرى !!
ولنسم هذا دعوة للفطرة... ولدين الفطرة ..
قد يعن لك أن تقترح خوف الإنسان من الطبيعة وكوارثها ... كأول غريزة تقود الإنسان إلى عبادة الكائنات الغيبية المتمثلة في الطبيعة ....ومن هنا يبدأ في اختراع الأديان ...
ولكن كل هذا يبقى رجما بالغيب وفي العادة يكون أول خيط يلتقطه الإنسان لإختراع الأوهام والإنقياد نحو المجهول ....
إذا فلنستثن هذا .... و لنسلك طريقة طبيعية محسوسة تتناسب مع الخطوات الأولى للإنسان البدائي نحو العلم الصحيح البسيط والفطري ....
 نحو معرفة الغرض من وجوده .. وما هي الخطة المرسومة لحياته ؟ والتي ينبغي عليه سلوكها ؟ ....فعندها سيجد الإنسان طريقه نحو البحث عن حشائش الأرض ليقتات بها ..... فالبحث عن الغذاء واجب تحتمه عليه ضرورة الحياة  ... فهو يجب أن يأكل ليعيش ويستمر في الحياة ... ولكن لأي شئ يعيش ولماذا عليه أن يستمر في الحياة ؟... عندما يستمر إلى حد معين ... نسميه سن المراهقة ستنمو فيه غرائز وميول وسيتبدل شكل جسده ... لا شئ في تاريخ الإنسان يؤدي إلى تغيير الجسم بهذا الشكل ... لا الدين ولا العلم ولا الإيمان بأي كائنات غيبية ... فقط الجنس  ....
عندها يدرك الإنسان خطته في الحياة ولأي شئ ينقاد ... وعندها يجد الإنسان سبباً ومبرراً أصيلاً - لا أحد يستطيع التشكيك في أصالته - يجعله يقدّس الجنس... وسيجد لذلك ثلاثة أسباب رئيسية ...
السبب الأول : - أنه سيكتشف حتما أنه ما من مخلوق على سطح البسيطة ولد من دون العملية الجنسية ...فالجنس هو سبب الوجود لكل موجود ...

السبب الثاني :-
أنه سيكتشف في علاقته مع الآخر... ذكرا كان أو أنثى ... نوعين من النوازع ...النوع الأول سلبي في العلاقة مع الآخر ....ويتكون هذا النوع من نوازع البغض والكره والحقد والحسد ... وهي علاقات سلبية بالطبع ..وتتجلى أعلى ما يمكن في إفناء الآخر ...بالقتل ...  وتكون في أقوى تجلياتها عندما تكون موجهة إلى كائن مشابه في الجنس والنوع ... كالذكر مع الذكر ... والأنثى مع الأنثى ... كما تتنافر الأقطاب المتشابهة ...و الشحنات المتشابهة ...  السالب مع السالب والموجب مع الموجب...
والنوع الثاني من النوازع هو الإنجذاب الى الآخر ... وذلك يكون بعاطفة الحب ... ذات الأطياف المتعددة في النوع والقوة ... وتكون أقوى ما يمكن في حالات العشق والإنجذاب الجنسي القوي إلى كائن مختلف في جنسه ... كالذكر مع الأنثى والعكس ...و أقوى تجلياته تكون في الإندماج الكامل بالعلاقة الجنسية المتكاملة... 
أما من يدعي أن علاقات البغض والحقد تكون أيضا بين الذكر و الأنثى ... وغالبا ما يحدث بين الزوج وزوجته من البغض ما يفوق فترات الحب ..... فأقول له إن الكلام هنا على الأغلب والأكثر شيوعا ... بل إن علاقات الكره المزعومة بين الأجناس المختلفة تتحول إلى حب بعد فترة حين تفقد الأسباب العارضة التي أخرجتها عن طورها ... وغالبا ما تسبق حالات العشق القوي حالة تنافر ظاهرية تنجلي بسرعة ... كما قال جميل بثينة :
"وأول ما قاد المحبة بيننا** بواد بغيض يا بثين سباب"
ونظرا لسحر هذه العلاقة وإضافتها طعما ونكهة لحياة الإنسان البدائي الذي يعيش على الفطرة فإنها تعادل الطعم الكريه لمصاعب الحياة لديه...
وتعطيها نوعا من الإيجابية يرتفع الى القدسية ... بل لو وزناه بميزان القيم الأصلية "الحق والخير والجمال"... لوجدناه في غاية الجمال والخير .. أما قيمة "الحق" فإنه لا يتنافى معها ولا يؤيدها ...لأنه أمر عاطفي بامتياز.. لا مكان فيه للمنطق ... ولا يجد هذا الإنسان البدائي في هذه "العاطفة النبيلة" ما يدعوه للإعتقاد بغير ما قلنا الا اذا ظهر له بعض الكهان والفقهاء من عصرنا الحالي ليعلموه العكس...

السبب الثالث:-
إن النوع البشري بدون العلاقة الجنسية سيفنى بكل تأكيد .... لأن أغلب البشر بدون روابط الحب والجنس سيتركون التكاثر ... وسيفنون أنفسهم بالقتل ... وستكون الحياة مملة لا تشجع الإنسان على عيشها ..وتشجع في المقابل على الإنتحار ...
ولو إن مخلوقا سلبه الله جميع أنواع التفكير التي ستوصله لتدبر شئونه ... فإنه مع ذلك لن يتوه عن طريق الحب والجنس... وستوصله فطرته بالتأكيد لهذا الأمر ...
لا يوجد شئ مزروع في فطرة الإنسان أكثر من التغذية والجنس ... فهما أساس وقوام وجوده ...
هناك بعض الحيوانات والحشرات التي زرع  في فطرتها أمورا معقدة ...مثل بناء بيوت طينية بشكل معين أو خلايا النحل السداسية العجيبة ...أو المسارات التي تسلكها بعض أنواع السمك إلى موضع نشؤ أسلافها من دون أن يعلمها أحد ذلك .... أو من دون أن توجد لغة تواصل تتناقل عن طريقها وتعرف المكان الذي جاء منه آباؤها وأجدادها..... أما الإنسان فلا يوجد لديه شئ من ذلك ..... بل لديه بدل ذلك عقل كالمادة الخام ... جاهز لتعلم أي شئ يرغب فيه "بإرادته الحرة"...
لا شئ سوى الحرية ... ولا يوجد شئ يستعبده أو يكون مبرمجا على تقبله والإنقياد خلفه سوى الجوع والجنس ....

هذا أقل الأمور التي ينبغي التسليم بها في هذه الحياة ...ولا يوجد شئ إسمه الحقيقة المطلقة ...كل شئ خاضع للنقد وقابل للتشكيك .... وأغلب الأمور التي تعتقد بكونها مسلمات وحقيقة مطلقة هي أشياء تعلمتها وربيت عليها منذ الصغر ... والوسط والبيئة التي تعيش فيها يشعرانك بقداستها وبكونها حقائق غير قابلة للنقد ....
يقولون لك بأن الجنس محرم وعيب ... ثم بورقة صغيرة تتلى عند ما يسمى "بالمأذون" أو "القسيس" ... تتحول هذه العلاقة المحرمة إلى علاقة مقدسة كاملة التقديس .... بل واجبا شرعيا يجب القيام به قبل الموت ... بل تترافق هذه العلاقة مع طقوس غريبة من الزغاريد والرقص والأفراح ... في غاية السخف وإثارة السخرية..... و يتطلب الأمر فقط تجردا من التقاليد المصنوعة والأعراف الموضوعة ليتبين لنا سخفها وعارها .... إذ أن هذه العلاقة الجنسية التي ترافقها جملة من الطقوس المحرمة والإنفلات من رباط التعقل والجدية والأقنعة الإجتماعية ... هذه العلاقة المحرمة تحولت بفعل السحر وبين يدي الكاهن إلى طقس مقدس يؤهلك لمكانة محترمة في المجتمع ..... ويترافق الأمر مع تهنئة الأهل والأقارب ... ومظاهر الإبتهاج والفرح لهذه العملية الجنسية لتتحول الى ما يشبه احتفالات الإستقلال والتحرير ... وكأن هذان الكائنان ليسا داخلان الى غرفة نومهما ليفضا غشاء البكارة بل ليفتحا القسطنطنية أو بيت القدس !!! ...
 في حين أن من يمارس هذه العملية بشكل مختلف وبدون أن يمر على بوابة المأذون والكاهن وبدون أن يحظى بإقرار المجتمع والعرف يتعرض للجلد والرجم والإهانة .... أين عقلانية الدين والأعراف هنا ؟ ...
فلنلاحظ هنا إن العروسين قد حصلا على حق حصري لإرتكاب فعل شنيع بمنطق الدين والمجتمع ... ولو تجردنا بشئ من المنطق لشعرنا بشذوذ هذه العادة  المجتمعية المسماة "بالعرس".... والشئ الوحيد الذي يجعل موقف العرس منطقيا ومتناسبا مع تقاليد المجتمع هو أن يحظى الجنس بمكانته كطقس مباح وتعبير مقدس عن الحب والفرح ... و أن نحرر الجنس من قيود الكبت والعبودية لنصل بالإنسان الى وضعه الطبيعي ... وهذا الوضع يوصله إلى نوع من التوازن مع طبيعته ويحرره من الأمراض النفسية التي ثبت علميا نشؤها من الكبت المجتمعي والديني ....
 ما يفعله الدين والعرف من تحريم كل ما يتعلق بالتعبير عن الحب وتقديس الجمال يشكل نظرة عامة الى كره الجمال والمتعة واللذة .... و يرتبط عندها ممارسة هذه الأشياء بالشر والشيطان ... فاللذة في نظر هؤلاء شر محض يزينه الشيطان لنراه جميلا ولو رفع عنا الغطاء لرأيناه في غاية القبح ... والإعتقاد بهذا جعل عبدة الشيطان يعبرون عن رفضهم للدين بربط طقوسهم بالجنس ... كما ربط الفقهاء بين الشيطان والحرية ....


يقول الفيلسوف اليوناني أبيقور : "أمٌا أنٌ الٌلذٌة خير فذلك أمر بديهيٌ يشعر به الإنسان كما يشعر أنٌ النٌار حارٌة وأنٌ الثٌلج أبيض. إنٌ اللٌذٌة هيٌ بداية الحياة السٌعيدة وغايتها. بالنٌسبة لي لا يمكنني أن أتصوٌر ماهو خير إذا استبعدنا ملذٌات الطٌعام والحبٌ وكلٌ ما يمتٌع العين والأذن"


وأصبح كل ما هو جميل مربوطا بالشيطان في حين إن القتل أصبح مقدسا ومرتبطا دائما باسم الله...
فهناك دائما قتل في "سبيل الله" .. ولكن لن تجد من يدعى إن هناك جنس وحب في سبيل الله ... وإذا وجد من يقول بذلك فإنه يكون مبتدعا ضالا أو كافرا زنديقا أو ساخرا من الله ... فطريق الله معبد بالدماء ... وطريق الشيطان معبد بالشهوات والجنس ...
إن كره الإنسان للذة هو كره لنفسه ...  ومحبته للذة وكل ما يجلب السعادة هو حب لنفسه وللجنس البشري وللطبيعة ...
والكفر الحقيقي هو الكفر بالحب والحرية ... الكفر الحقيقي هو إذلال الإنسان لأخيه الإنسان ... هو تبرير الظلم والدكتاتورية بمسميات شرعية ...وهو موضوع مقالنا الثاني .........
* الصورة الملحقة بالمقال هي لوحة رسمها الفنان "جوستاف كوربيه" عام ١٨٦٦ ... لجزء من امرأة عارية ... ذلك الجزء الذي نستحي من مواجهته الآن هو  العضو الذي نبعت منه كل البشرية .. ويبدو أن هذا ما جعل كوربيه يسمي لوحته "أصل العالم" ...!!!!
Gustave Courbet's 1866 painting "The Origin of the World".