الأربعاء، 27 يوليو 2016

ولادة الإنسان.. مصادرة لإرادته الحرة


الفيلسوف إميل سيوران  مثله مثل المعري يقول:"اقترفت كل الجرائم باستثناء
 أن أكون أباًً" و له في هذا الموضوع كتاب "مثالب الولادة"

نحن في دار الدنيا ندخل مرغمين ...
الإنسان عادةً يدخل الدار إما ضيفاً أو سجيناً...
فالضيف هو الذي يدخل معززاً مكرماً وبإرادته الحرة...
أما السجين فيدخل مرغماً ومجبراً...
ونحن ندخل دار الدنيا مرغمين كالمساجين ...
لا أحد يدخل مكرّماً وباختياره التام ... فهل رأيت في عمرك أحداً يسأل الجنين وهو يخرج من بطن أمه "الدنيا فيها كيت وكيت من المصائب والمسئوليات والهموم فهلّا تفضلت بمشاركتنا همومها وآلامها؟"..
لا يوجد مخلوق دخل الى الحياة بهذه الطريقة ... وأنا أجزم إن نصف المواليد سيرفضون الخروج لو حدث ذلك..
وذلك فقط بناءاً على افتراض إن نصف الحياة آلام منفّرة ونصفها متع ورفاهيات مُرَغّبة ... فما بالك إذا علمنا أن الكثير من فقراء هذا العالم ومعذبيه لا يشاركوننا في هذا الإفتراض...
بناءاً على ذلك فإننا وبلا ريب سنشارك أبا العلاء المعري في نظرته الى فكرة الولادة كونها جريمة يرتكبها الأبوان .. وسنجعل شعارنا في الحياة ذلك البيت الذي أوصى بكتابته على قبره....
هذا جناه أبي علي ... وما جنيت على أحد
يا معشر الآباء إن أبوتكم جريمة .. وستظل جريمة إلا في حالةٍ واحدة ... وهي أن يتسنى لكم تخيير تلك الروح قبل أن تخرجوها إلى الحياة مرغمة واستشارتها : هل ترغبين أيتها الروح في دخول هذا الطريق المليء بالأشواك والآلام ؟!
وإلى أن يتسنى لكم الإتيان بهذا الشرط الصعب والمستحيل فأنتم مجرمون ... وجميع آفات الدنيا وأوبئتها ومصائبها تلعنكم ... لأنكم أخرجتموها إلى الوجود من العدم !!



كتاب "لزوم ما لا يلزم" وفلسفة المعري الشاملة والعميقة
 والمنطقية

الخميس، 7 يوليو 2016

ما هي الخطيئة ؟!


لا يوجد شيء إسمه خطأ أو ذنب ...
وكل ما يسمى بذنب أو خطيئة هو في الحقيقة كناية إمّا عن النسيان... أو عن الإكراه.
دعونا نحلّل هذين السببين ...
الإحتمال الأول للخطأ أن يكون ناتجاً عن إكراه.... سواءاً كان هذا الإكراه ظاهراً بيناً ، كأن يضغط عليك شخص ويهدّدك بعقوبة ما ، أو يكون خفياً كأن تكرهك الحاجة أو الجوع على السرقة، أو تشتد عليك الغريزة الجنسية فتقوم بالزنا مع شخصٍ آخر .....
و الإكراه مستويات، فالبعض قد يرفض اعتبار من تشتدّ عليه الغريزة مُكْرَهَاً، ولذلك يبادر بالتحقيق مع من يدعي أنه واقعٌ تحتَ هذا النوع من الإكراه، ويسأله: "لماذا لم تكبح نفسك؟" ...
وعلى افتراض إن المدعي لا يكذب فإن إجابته ستكون حتماً التبرير بالعجز عن ضبط النفس، وعندها قد يتساءل المحقق :"لماذا لا يكون لكل شخصٍ نفسُ هذا العجز"؟...
وعندئذٍ سيكون الجواب : "الناس يتفاوتون في عجزهم وقوتهم على ضبط النفس، وهذا العجز أو القوة تحددها الظروف البيئية والجينات الوراثية"... هذا أولاً ، ثم ثانياً إذا لم يكن المبرر العجز عن كبح نفسه ، فماذا يكون؟
...لعل المدّعي يرى جواز الزنا-مثلاً-؟...
هل هذا التخمين مقنع ؟...
فلنفترض إنه كان يكْذِب بإدعائه العجز، بل الحقيقة إنه يرى جواز الإستمتاع بالزنا..
وهنا فلنسأل: إذا كان يرى ذلك حقاً، فكيف يجوز أن نقول إنه أخطأ ؟!... فهو حسب معاييره الشخصية لم يرتكب أي خطأ...
وفي جميع الحالات لا يكون هذا الفعل خاطئاً ما لم يكن ناسياً أو غافلاً أو واقعاً تحت تأثير مخدر عقلي...
وهذا هو الإحتمال الثاني لإرتكاب الخطأ، ونحن نعلم إن من غاب عقله خلال فعلٍ ما ليس مسؤولاً عما يفعله... ولا يمكنه بشكل طبيعي كبح وضبط أفعاله ووزنها بما استقر في عقله من معايير، لأن عقله كان غائباً خلال الفعل، وبالتالي يكون الفاعل كأنّه لم يرتكب أي خطأ ، بل إنّه فعلاً لم يرتكب أيّ خطأ !
فلا وجود لشيء اسمه خطيئة ، إنما هو نسيان مؤقت للمعايير الخلقية، أو تبدل مؤقت للظروف التي تحكم الفعل...
ومن يؤمن بالإرادة الحرة يرى هذا بديهياً، ويرى الإيمان بوجود الخطيئة خرافة قاتلة لهذه الإرادة الحرة...
الخطيئة الوحيدة هي إيقاع الضرر بالغير بأي شكلٍ من الأشكال، وهذا المبدأ هو القاعدة الأساسية للأخلاق، ويسمى القاعدة الذهبية :"لا تعامل الناس بما لا تحب أن يعاملوك به"، والسر في اعتبارها خطيئة ( مع إنه قد لا يعتبرها خطيئة في جميع الأحوال.. إذا كان نازياً أو فاشياً مثلاً) إن الإيمان بالإرادة الحرة لا يجب أن يكون حصرياً، فالكل يشعر بما نشعر به بنفس الطريقة ونملك كلنا نفس الحقوق ونفس الإرادة، فإذا رضي الطرف الآخر بما يقع عليه من ضرر فليس لأحدٍ أن يعترض، أما إذا كان (لا يريد) ولا يرضى أن يقع عليه هذا الضرر فكيف نصادر إرادته من أجل تحقيق إرادتنا ؟!.....
وبالتالي فحتى لو تعرضنا لأقسى نوعٍ من الإكراه، سواءاً من أشخاص أو من ظروفٍ طاغية،حتى لو وصلت إلى حد التهديد بالقتل، من أجل إيذاء طرف آخر، فلن يكون العمل مبرراً ما لم يرضَ الطرف الآخر أن يوقع عليه هذا الضرر ...
ولا شك إن بعض الناس قد يسمح بهذا الضرر خصوصاً إذا كان الضرر بسيطاً ومبرراً وإذا كان الجاني مُهدّداً بالقتل مثلاً إذا لم يفعل ذلك ... والجاني والمجني عليه في هذه الحالة حرّين مادام كلاهما راضيين بما يفعلانه أو يُفعل بهما.....
نستنتج من كل هذا إن الإرادة الحرة هي الأساس، وجميع الأخطاء المزعومة لا أساس لها من العقل، بما في ذلك تلك الأمور التي تحرمها الشرائع والأعراف من ممارسة الجنس -برضا الطرفين- والعري ، وتعاطي المسكرات والحشيش، مالم يتذرع مرتكب جريمة ما بأنه لم يكن بكامل قواه العقلية وتذرع بأنه كان تحت تأثير هذا المسكر أو المخدر، وهذا في الحقيقة ليس استثناءاً لما سبق ذكره، ولكنه زيادة في تفصيل نقطة غياب العقل، لأن الإعتبار دائماً لما يقع من ضرر على الآخرين، فإذا وقع ضرر خلال السُّكر ولم يكن الفاعل واعياً لما يفعل، تكون المسؤولية على من سبّب حالة السكر وغياب العقل، فإذا كان هو نفسه من تناول المسكر عامداً متعمداً فهو المسؤول، حتى مع كونه لا يرى نفسه مخطئاً حسب معاييره الخاصة، وهذا طبيعي لأنه لم يكن قادراً على تحكيم تلك المعايير مع غياب عقله...
إذاً، نرجع إلى القاعدة الأساسية وهي أنه لا يوجد شيء اسمه خطيئة أو ذنب إلا على سبيل المجاز والكناية.... حتى عند وجود عقوبة على هذا الفعل واستحقاقه لها .... مادام المرتكب لهذا الفعل واعياً مدركاً لما يفعل وبكامل قواه العقلية ومن دون أي ضغط أو إكراه..
وبالنسبة للأشياء التي تخدش الذوق العام كالعري وممارسة الجنس ومقدماته في الأماكن العامة فهي أمور نسبية، ونحن هنا لا نتكلم عن القانون ، وإن كنا تشعبنا مع قضية إيقاع الضرر بالأطراف الأخرى في المجتمع فلأجل توضيح نقطة الإكراه، وكذلك تشعبنا في قضية المسكرات لتوضيح موقف المجتمع من "الجاني تحت تأثير المسكر" ولنفصله عن موقف الشخص واعتبار الأمر إمّا خطيئة أو خطأ غير مقصود. والمجتمعات تتفاوت في تقبلها لبعض المظاهر في الأماكن العامة، وقد يصل الأمر إلى منعها لوجود الكنائس والحسينيات في البلاد السنية لأنها تصدم الشعور الديني لأصحاب البلد، وهذا تنطع وتطرف ومصادرة لأفكار وأديان الآخرين...
ولدينا مثال واضح على نسبية الذوق العام وموقف المجتمع من العري، وذلك في أسواق العبيد خلال العصور الغابرة، فحتى في مجتمع المدينة المنورة كانت أسواق العبيد تعرض العبيد عراة تقريباً - ذكوراً وإناثاً، والقصة المشهورة لعبدالله بن عمر "الفقيه السلفي المعروف" تبين استساغة الدين لهذا النوع من العري مع كونه خادشاً للحياء العام ، فالقصة تذكر إن عبدالله مرّ على السوق فوجد مجموعة من الرجال يفحصون جاريةً معروضةً للبيع، فخجل بعضهم وتردد عندما مرّ بهم هذا الفقيه الجليل، فإذا بالفقيه الجليل والعابد الزاهد يتجه إليهم ويندفع الى جسد الجارية ويتلمّس بيده إليتيها وما بين ثدييها، ثم يقول منادياً :" أين صاحب هذه الجارية ... إنما هي سلعة".... وهذا الموقف البسيط من هذا الفقيه المسلم مثالٌ واضحٌ على نسبية المعايير في ما يسمونه خدش الحياء العام...


إلى اليمين :عري اجباري ولا أخلاقي- اللوحة تصوّر أسواق العبيد في روما ،
 لم تكن هذه الصورة تتعارض مع القانون ولا الأخلاق وقتها
إلى اليسار:عري اختياري وأخلاقي، ثلاث فتيات يعبرن عن رفضهن لاصطياد الحيوانات ،
العبارة تقول: "نفضل العري على لبس الفرو"

فقد ينزعج رب العائلة عندما يعبر بعائلته الشارع ليصادف مسيرةً للعراة وانزعاجه في الحقيقة ناتج عن رغبته في حماية هذه الأسرة ومعاييرها الأخلاقية، وهذا نفس الشعور الذي يخالج حماة الأمن القومي والثقافي عند محاربتهم للمبشّرين بالأديان الأخرى وحتى المعتنقين لها، فهو يريد حماية المجتمع ... ومبدأ الحماية هذا هو أساس البلاء، وهو العدو الرئيسي للحرية، فرب العائلة لا يريد أن يعوّد نفسه ويعوّد ابنائه على هذا المنظر لأنه لا يريد لهم أن يعتقدوا أنه أمرٌ طبيعي، وبالتالي أساس الإنزعاج في رغبته أن يلغي خيار "العري"- مثلاً- من قائمة الخيارات المتاحة أمام أبنائه، بينما كان يُمكن أن يحترم هذه الخيارات ويسمح لأبنائه بمعرفة وجود هذه الطائفة وهذا السلوك، وبالتالي لن يتحوّل هذا الأمر كصدمة لهم في المستقبل، كما لم يتحول الأمر الى صدمة بالنسبة لعبدالله بن عمر.

رجال دين هندوس يؤدون طقوسهم في نهر الجانج عراة تماماً : ونفس المشهد كان موجوداً في مكة قبل الإسلام 
 حيث كان الحجاج يطوفون بالبيت عراة تماماً رجالاً ونساءاً .. 
مما يؤكّد نسبية خدش الحياء العام في المجتمعات المختلفة

وفي النهاية نقول: لا وجود لمسميات الخطيئة والذنوب، إنما هناك تحمّل لمسؤولية الأعمال التي نمارسها حسب قناعاتنا، مع اعتزازنا بقناعاتنا وبإرادتنا الحرة حتى لو لم تكن العواقب سليمة... فلئن نمارس حرية ارتكاب الأخطاء طوال حياتنا خيرٌ من أن نكون عبيداً معصومين ، مهما زينوا لنا مزايا هذه العصمة.

فلتحيا الإرادة الحرة ... وتعساً للمستغفرين

الأحد، 6 مارس 2016

الجنس .. أصل البشرية



هل يحتمل أن يكون الجنس هو الغرض والهدف الحقيقي للوجود الإنساني؟
المتدين التقي سوف يستغرب هذا !!
وسيحمد ربه لأن الله أكرمه بدين الإسلام وأبعده عن سفاسف الأمور وقذارات الفكر !!
لكن فلنتجرد قليلا مما تعلمناه منذ بدء الخليقة ...ولنفكر في الإنسان وحده ...متجردا من كل ما خلقه فيه التطور ...ومن منتجات الحضارة ...ومن تعاليم البشر ... التي نسبوها للعقل مرة... ولله مرة أخرى !!
ولنسم هذا دعوة للفطرة... ولدين الفطرة ..
قد يعن لك أن تقترح خوف الإنسان من الطبيعة وكوارثها ... كأول غريزة تقود الإنسان إلى عبادة الكائنات الغيبية المتمثلة في الطبيعة ....ومن هنا يبدأ في اختراع الأديان ...
ولكن كل هذا يبقى رجما بالغيب وفي العادة يكون أول خيط يلتقطه الإنسان لإختراع الأوهام والإنقياد نحو المجهول ....
إذا فلنستثن هذا .... و لنسلك طريقة طبيعية محسوسة تتناسب مع الخطوات الأولى للإنسان البدائي نحو العلم الصحيح البسيط والفطري ....
 نحو معرفة الغرض من وجوده .. وما هي الخطة المرسومة لحياته ؟ والتي ينبغي عليه سلوكها ؟ ....فعندها سيجد الإنسان طريقه نحو البحث عن حشائش الأرض ليقتات بها ..... فالبحث عن الغذاء واجب تحتمه عليه ضرورة الحياة  ... فهو يجب أن يأكل ليعيش ويستمر في الحياة ... ولكن لأي شئ يعيش ولماذا عليه أن يستمر في الحياة ؟... عندما يستمر إلى حد معين ... نسميه سن المراهقة ستنمو فيه غرائز وميول وسيتبدل شكل جسده ... لا شئ في تاريخ الإنسان يؤدي إلى تغيير الجسم بهذا الشكل ... لا الدين ولا العلم ولا الإيمان بأي كائنات غيبية ... فقط الجنس  ....
عندها يدرك الإنسان خطته في الحياة ولأي شئ ينقاد ... وعندها يجد الإنسان سبباً ومبرراً أصيلاً - لا أحد يستطيع التشكيك في أصالته - يجعله يقدّس الجنس... وسيجد لذلك ثلاثة أسباب رئيسية ...
السبب الأول : - أنه سيكتشف حتما أنه ما من مخلوق على سطح البسيطة ولد من دون العملية الجنسية ...فالجنس هو سبب الوجود لكل موجود ...

السبب الثاني :-
أنه سيكتشف في علاقته مع الآخر... ذكرا كان أو أنثى ... نوعين من النوازع ...النوع الأول سلبي في العلاقة مع الآخر ....ويتكون هذا النوع من نوازع البغض والكره والحقد والحسد ... وهي علاقات سلبية بالطبع ..وتتجلى أعلى ما يمكن في إفناء الآخر ...بالقتل ...  وتكون في أقوى تجلياتها عندما تكون موجهة إلى كائن مشابه في الجنس والنوع ... كالذكر مع الذكر ... والأنثى مع الأنثى ... كما تتنافر الأقطاب المتشابهة ...و الشحنات المتشابهة ...  السالب مع السالب والموجب مع الموجب...
والنوع الثاني من النوازع هو الإنجذاب الى الآخر ... وذلك يكون بعاطفة الحب ... ذات الأطياف المتعددة في النوع والقوة ... وتكون أقوى ما يمكن في حالات العشق والإنجذاب الجنسي القوي إلى كائن مختلف في جنسه ... كالذكر مع الأنثى والعكس ...و أقوى تجلياته تكون في الإندماج الكامل بالعلاقة الجنسية المتكاملة... 
أما من يدعي أن علاقات البغض والحقد تكون أيضا بين الذكر و الأنثى ... وغالبا ما يحدث بين الزوج وزوجته من البغض ما يفوق فترات الحب ..... فأقول له إن الكلام هنا على الأغلب والأكثر شيوعا ... بل إن علاقات الكره المزعومة بين الأجناس المختلفة تتحول إلى حب بعد فترة حين تفقد الأسباب العارضة التي أخرجتها عن طورها ... وغالبا ما تسبق حالات العشق القوي حالة تنافر ظاهرية تنجلي بسرعة ... كما قال جميل بثينة :
"وأول ما قاد المحبة بيننا** بواد بغيض يا بثين سباب"
ونظرا لسحر هذه العلاقة وإضافتها طعما ونكهة لحياة الإنسان البدائي الذي يعيش على الفطرة فإنها تعادل الطعم الكريه لمصاعب الحياة لديه...
وتعطيها نوعا من الإيجابية يرتفع الى القدسية ... بل لو وزناه بميزان القيم الأصلية "الحق والخير والجمال"... لوجدناه في غاية الجمال والخير .. أما قيمة "الحق" فإنه لا يتنافى معها ولا يؤيدها ...لأنه أمر عاطفي بامتياز.. لا مكان فيه للمنطق ... ولا يجد هذا الإنسان البدائي في هذه "العاطفة النبيلة" ما يدعوه للإعتقاد بغير ما قلنا الا اذا ظهر له بعض الكهان والفقهاء من عصرنا الحالي ليعلموه العكس...

السبب الثالث:-
إن النوع البشري بدون العلاقة الجنسية سيفنى بكل تأكيد .... لأن أغلب البشر بدون روابط الحب والجنس سيتركون التكاثر ... وسيفنون أنفسهم بالقتل ... وستكون الحياة مملة لا تشجع الإنسان على عيشها ..وتشجع في المقابل على الإنتحار ...
ولو إن مخلوقا سلبه الله جميع أنواع التفكير التي ستوصله لتدبر شئونه ... فإنه مع ذلك لن يتوه عن طريق الحب والجنس... وستوصله فطرته بالتأكيد لهذا الأمر ...
لا يوجد شئ مزروع في فطرة الإنسان أكثر من التغذية والجنس ... فهما أساس وقوام وجوده ...
هناك بعض الحيوانات والحشرات التي زرع  في فطرتها أمورا معقدة ...مثل بناء بيوت طينية بشكل معين أو خلايا النحل السداسية العجيبة ...أو المسارات التي تسلكها بعض أنواع السمك إلى موضع نشؤ أسلافها من دون أن يعلمها أحد ذلك .... أو من دون أن توجد لغة تواصل تتناقل عن طريقها وتعرف المكان الذي جاء منه آباؤها وأجدادها..... أما الإنسان فلا يوجد لديه شئ من ذلك ..... بل لديه بدل ذلك عقل كالمادة الخام ... جاهز لتعلم أي شئ يرغب فيه "بإرادته الحرة"...
لا شئ سوى الحرية ... ولا يوجد شئ يستعبده أو يكون مبرمجا على تقبله والإنقياد خلفه سوى الجوع والجنس ....

هذا أقل الأمور التي ينبغي التسليم بها في هذه الحياة ...ولا يوجد شئ إسمه الحقيقة المطلقة ...كل شئ خاضع للنقد وقابل للتشكيك .... وأغلب الأمور التي تعتقد بكونها مسلمات وحقيقة مطلقة هي أشياء تعلمتها وربيت عليها منذ الصغر ... والوسط والبيئة التي تعيش فيها يشعرانك بقداستها وبكونها حقائق غير قابلة للنقد ....
يقولون لك بأن الجنس محرم وعيب ... ثم بورقة صغيرة تتلى عند ما يسمى "بالمأذون" أو "القسيس" ... تتحول هذه العلاقة المحرمة إلى علاقة مقدسة كاملة التقديس .... بل واجبا شرعيا يجب القيام به قبل الموت ... بل تترافق هذه العلاقة مع طقوس غريبة من الزغاريد والرقص والأفراح ... في غاية السخف وإثارة السخرية..... و يتطلب الأمر فقط تجردا من التقاليد المصنوعة والأعراف الموضوعة ليتبين لنا سخفها وعارها .... إذ أن هذه العلاقة الجنسية التي ترافقها جملة من الطقوس المحرمة والإنفلات من رباط التعقل والجدية والأقنعة الإجتماعية ... هذه العلاقة المحرمة تحولت بفعل السحر وبين يدي الكاهن إلى طقس مقدس يؤهلك لمكانة محترمة في المجتمع ..... ويترافق الأمر مع تهنئة الأهل والأقارب ... ومظاهر الإبتهاج والفرح لهذه العملية الجنسية لتتحول الى ما يشبه احتفالات الإستقلال والتحرير ... وكأن هذان الكائنان ليسا داخلان الى غرفة نومهما ليفضا غشاء البكارة بل ليفتحا القسطنطنية أو بيت القدس !!! ...
 في حين أن من يمارس هذه العملية بشكل مختلف وبدون أن يمر على بوابة المأذون والكاهن وبدون أن يحظى بإقرار المجتمع والعرف يتعرض للجلد والرجم والإهانة .... أين عقلانية الدين والأعراف هنا ؟ ...
فلنلاحظ هنا إن العروسين قد حصلا على حق حصري لإرتكاب فعل شنيع بمنطق الدين والمجتمع ... ولو تجردنا بشئ من المنطق لشعرنا بشذوذ هذه العادة  المجتمعية المسماة "بالعرس".... والشئ الوحيد الذي يجعل موقف العرس منطقيا ومتناسبا مع تقاليد المجتمع هو أن يحظى الجنس بمكانته كطقس مباح وتعبير مقدس عن الحب والفرح ... و أن نحرر الجنس من قيود الكبت والعبودية لنصل بالإنسان الى وضعه الطبيعي ... وهذا الوضع يوصله إلى نوع من التوازن مع طبيعته ويحرره من الأمراض النفسية التي ثبت علميا نشؤها من الكبت المجتمعي والديني ....
 ما يفعله الدين والعرف من تحريم كل ما يتعلق بالتعبير عن الحب وتقديس الجمال يشكل نظرة عامة الى كره الجمال والمتعة واللذة .... و يرتبط عندها ممارسة هذه الأشياء بالشر والشيطان ... فاللذة في نظر هؤلاء شر محض يزينه الشيطان لنراه جميلا ولو رفع عنا الغطاء لرأيناه في غاية القبح ... والإعتقاد بهذا جعل عبدة الشيطان يعبرون عن رفضهم للدين بربط طقوسهم بالجنس ... كما ربط الفقهاء بين الشيطان والحرية ....


يقول الفيلسوف اليوناني أبيقور : "أمٌا أنٌ الٌلذٌة خير فذلك أمر بديهيٌ يشعر به الإنسان كما يشعر أنٌ النٌار حارٌة وأنٌ الثٌلج أبيض. إنٌ اللٌذٌة هيٌ بداية الحياة السٌعيدة وغايتها. بالنٌسبة لي لا يمكنني أن أتصوٌر ماهو خير إذا استبعدنا ملذٌات الطٌعام والحبٌ وكلٌ ما يمتٌع العين والأذن"


وأصبح كل ما هو جميل مربوطا بالشيطان في حين إن القتل أصبح مقدسا ومرتبطا دائما باسم الله...
فهناك دائما قتل في "سبيل الله" .. ولكن لن تجد من يدعى إن هناك جنس وحب في سبيل الله ... وإذا وجد من يقول بذلك فإنه يكون مبتدعا ضالا أو كافرا زنديقا أو ساخرا من الله ... فطريق الله معبد بالدماء ... وطريق الشيطان معبد بالشهوات والجنس ...
إن كره الإنسان للذة هو كره لنفسه ...  ومحبته للذة وكل ما يجلب السعادة هو حب لنفسه وللجنس البشري وللطبيعة ...
والكفر الحقيقي هو الكفر بالحب والحرية ... الكفر الحقيقي هو إذلال الإنسان لأخيه الإنسان ... هو تبرير الظلم والدكتاتورية بمسميات شرعية ...وهو موضوع مقالنا الثاني .........
* الصورة الملحقة بالمقال هي لوحة رسمها الفنان "جوستاف كوربيه" عام ١٨٦٦ ... لجزء من امرأة عارية ... ذلك الجزء الذي نستحي من مواجهته الآن هو  العضو الذي نبعت منه كل البشرية .. ويبدو أن هذا ما جعل كوربيه يسمي لوحته "أصل العالم" ...!!!!
Gustave Courbet's 1866 painting "The Origin of the World".