السبت، 26 مايو 2018

الحي القيوم : الهوية الحقيقية لخالق الكون

الإله الحقيقي هو الكائن الوحيد الذي لم تفلح الديانات السماوية في تعريفه بشكل صحيح. وإذا كنا نقصد بالإله هنا الرب الخالق ؛العلة الأولى والمكوّن لكل شيء؛ فإن أنسب كلمة للتعبير عنه -بالمناسبة- ليست "إله" ولكن "حي قيوم" وهو تعبير يناسب القائلين بوحدة الوجود، فإذا كانت هذه الصفة تعني إنه كالطاقة الكهربائية التي تمد المصابيح والأجهزة في شبكات ضخمة بحجم مدينة كنيويورك أو القاهرة مثلاً، فهذا تعبير جيد، أمّا تعبير "الإله" فهو ينطوي على الحاجة إلى العبادة والتأليه، وبمجرد انقطاع العبادة بهذا المعنى قد يختفي هذا الكائن السماوي لأنه يفقد صفة الإله، فمن لا يؤلّهه أحد لا يمكن أن نسميه إله، كما إنّ الشيء الذي لا يقدّسه أحد لا يسمّى مقدّس، والشخص الذي لا يصلّي وراءه أحد لا يمكن أن يُسمّى إماماً ما لم يجد من يأتمّ به.
إذاً ، خالق الكون لا يحتاج بالضرورة لمن يعبده ولا لمن يتكلّم معه، ويكفيه عظمةً أنّه يسيّر كل ذرّة في الكون كما إنّه المسؤول عن كل فكْرة نفكر بها ومهيمن عليها وبالتالي هو غير محتاج لأن تتوجّه الأفكار لتعظيمه وعبادته ومحبّته، وكل هذه الأمور تندرج تحت صفة الحي القيوم، مما يجعل هذه الصفة تتعارض مع كلّ الطقوس والعبادات والكتب المقدّسة.
الحي القيوم غير مُلزم بخلق سيناريوهات ينتصر فيها الخير على الشرّ، كما إنّه غير مُلزم بجعل الناس أخياراً طيبين ورحماء حسب المقاييس العقلية التي منحنا إيّاها، فمن المنطقي أن يكون للمالك الحق الكامل في أن يفعل في مُلكه ما يشاء.
قد يكون من الصعب على الملحدين وعلى كثير من أصحاب الديانات فهم هذا، مع إنّ أصحاب الديانات  -وكما سنشرح بعد قليل- يؤمنون بذلك ضمنياً، ولكن يمكن توضيح الموقف الحقيقي الذي يقف فيه خالق الكون أمام مخلوقاته بمثل معاصر وبسيط إلى حدٍّ ما، وهو مثل المبرمج للألعاب الكمبيوترية، فهو يماثل إلى حدٍّ ما خالق الكون حين يخلق بيئة اصطناعية ثلاثية الأبعاد تعيش فيها مخلوقات افتراضية تتحرك حسب قوانين يضعها هو، وأحياناً تكون هناك جرائم وضحايا ومجرمين وتدمير للممتلكات، ولا أحد يعتقد إن هذه الكائنات الإفتراضية ظُلِمت أو إن المبرمج ظالم وشرّير لإنه صنعٙ أحداثاً شريرة أو أشخاصاً أشرار.

هنا نصل إلى نقطة هامّة ومحورية في جدلية الإيمان والإلحاد وهي إنّ صنع الإله للشرّ لا علاقة له بإثبات وجوده أو عدم وجوده، وشرعنة الديانات لطقس الأضحية وقصة ابراهيم النبي مع ابنه حين حاول ذبحه بناءاً على أمر إلهي تدلّ على مصادرة الإله لحق الإنسان في الحياة حين يرغب في ذلك، وهذا ما نجده ولو بصورة أخفّ في أمرِه للمؤمنين بقتال الكافرين لمجرّد إنّ هؤلاء لم يفلحوا في التعرّف على هذا الإله، وعلى الأقلّ لا يمكن لأصحاب هذه الديانات إنكار إن غير المؤمن كان دائماً إنساناً من الدرجة الثانية ولم يسمح له بأن يقف على قدم المساواة مع الإنسان المؤمن.
النقطة الثانية هي إن رغبة الله في إيصال كلمته بهذه الطريقة فيها كثير من النقص ، فقد كان مثلاً  قادراً على خلق حواسّ باطنية في الإنسان تستقبل أوامره مباشرةً من دون وسطاء ، وتجعلها غير قابلة للتزييف والتحريف، كما إنّها تصبح مؤكّدة المصدر لمن يستقبل الوحي بهذه الطريقة ، ولا يخفى إن الكلمات الموحى بها في الكتب المقدّسة كانت متعارضة من دين لآخر رغم تأكيده على حفظه لهذه الكلمات المقدّسة، كما إنّها حُرّفت رغم ذلك وزُيّفت بأنبياء كذبة وتأويلات مختلفة مما أفشل خطّة الله في هداية خلقه. ورغم كلّ ذلك لا ننكر إنّ الله له الحق في خلق كل هذه الفوضى ؛وقد يكون له حكمة لا نعلمها وقد لا يكون؛ وهذا لا يصادر حقّه في أن يفعل في خلقه ما يشاء ولكن دعوته في هذه الكتب لتحكيم العقل والتدبّر يجعلنا أمام حقائق يلغي بعضها بعضاً ويجعلنا غير ملزمين بالإيمان بأنه يقصد حقّا ما يقوله. أي أنّه باختصار، ومع توفّر جميع إمكانات المقارنة بين النصوص في عصرنا الحالي لا نجد ما يكفي لإقناعنا بأن هذه الكتب هي رسائل إلهية مع إقرارنا باحتمال ولو ١٪ أن يكون الله حقّاً يقصد إدخالنا في هذه المتاهة !!. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق