السبت، 6 أكتوبر 2018

مغالطات في المفاهيم الأخلاقية الشائعة


كثير من الأخلاق للأسف سممت حياتنا السياسية والإجتماعية ، ولوثت اللغة بالتزييف واختلاط المعايير وهي في الحقيقة آليات للسيطرة على المجتمعات أو إجبارها على الرضوخ أو إشعال حماستها للحروب وخوض الصراعات ، فهي لم تكن يوماً أخلاقاً بالمعنى الصحيح للكلمة ، وبعضها ينتشر بين الأشرار والمجرمين وقطاع الطرق أكثر من انتشاره بين النفوس المحبة للخير، وبقليل من المنطق نكتشف انها مغالطات منطقية إما مُررت إلينا أو فرضها الواقع والعادات والتقاليد والأعراف. بعض هذه الأخلاق تم تصنيفه من ضمن الفضائل لمساعدة الجماعات البدائية على البقاء والصمود أمام الطبيعة وأمام الجماعات الأخرى ، وعند التمعن والتدقيق نجد إنها لا علاقة بمفهوم الخير والشر رغم انها مدعاة للإحترام من أفراد المجتمع وقد تكسب الإنسان مكانة وقوة و سمعة  حسنة وذلك فقط لأنها استقرت في أذهان الناس كفضائل تستحق التنويه، وهذه أمثلة لبعضها :

الصبر ..

من أكبر الأوهام خلق الصبر، فالمتدينون يفهمونه بشكل واللادينيون يفهمونه بشكلٍ آخر ، وحين نقارن تعريفاتهم نجدهم يتكلمون عن وهم ومفهوم ضبابي ناتج عن تزييف الحقيقة...
فالصبر عند المتدين هو الرضا بالأقدار وعدم إظهار السخط على قضاء الله... وعند طيفٍ واسع من الناس الصبر هو قوة تحمل المصاعب النفسية والجسدية، وهذا أمرٌ خاص بالتكوين الجسدي وقوة جهاز المناعة وكذلك مقاومة الجهاز العصبي للصدمات وهي خصائص فسيولوجية، لذلك تجد البعض ينهار عصبياً في الكبر من أمور طالما تحمّل أضعافها في صغره من دون إظهار الجزع أو الإجهاد النفسي.
أمّا ما يدّعيه المتدينون من تعريفات للصبر فهي مناقضة للصحة النفسية حيث يوصي هؤلاء بكبت مشاعر الحزن وعدم البكاء أو الشكوى وهذا الأمر قد يسبب كوارث صحية خصوصاً لبعض كبار السن والمصابين بالضغط والسكّري والإكتئاب وغيره. 
فالصبر خلق غير محمود صحّياً خصوصاً مع اكتشاف علاقته بأمراض عصرية لا حصر لها، بالإضافة إلى إن تعمد الشخص لإظهار أثر المصيبة هو انعدام للشفافية وتزييف للواقع  ، وأي فعل من هذا النوع هو سير ضد قوانين الطبيعة وعادةً ما تكون  له عواقبه وآثاره السيئة في العلاقات الإجتماعية كتلك الآثار التي تنتج عادةً عن سوء التقدير  والفهم بين الأقارب والأصحاب عند عدم تقديرهم لصعوبة ما يمر به قريبهم أو صديقهم.


الشجاعة ..

خلق الشجاعة لا يحمل قيمة خيّرة في ذاته بل إنه مناسب للبلطجيين أكثر منه لذوي الخلق الحسن، فالشجاعة جيّدة في المواقف الجيّدة وسيّئة في المواقف السيّئة، وبالتالي فهي تخدم عادةً خلقاً آخر وتساعده في إيقاع النفع أو الضرر بالآخرين، ولكنها هي نفسها حيادية تماماً ولا شيء فيها يربطها بالأخلاق والقيم والمباديء.
ويمكننا القول أيضاً إن الشجاعة ترتبط بالقوة أكثر من ارتباطها بمبدأ الحق، وعادةً ما يقف الإنسان مواقف أخلاقية تجبره على الموازنة بين الإستناد إلى الحق والإستناد إلى القوة، وفي كل هذه المواقف يقف الإثنان على طرفي نقيض فمن كانت لديه القوة (سواء قوة الشخصية أو القوة البدنية) كان أكثر شجاعة، وهذا على الأغلب وإن كان العكس وارداً أيضاً، لكن في الحالتين تبقى الشجاعة والقوة قيماً حياديّة إلا إذا كنّا نقصد بهما قوة الحق والشجاعة على قوله وهذه تعبيرات مجازية لا أكثر.


المغفرة ..

إن أسوأ رد يمكنك القيام به تجاه الإعتداء ليس أن ترد عليه باعتداء مماثل لكن أن ترد عليه بالمسامحة والمغفرة ، فإذا كان الإعتداء الذي واجهته عن سابق إصرار وترصد، بنية مبيتة قبله وعدم إظهار الندم بعده، فالمسامحة في مثل هذه الظروف جريمة، إلا إذا ثبت إن هناك سوء فهم أو نقطة خلاف في الموضوع ، لأن مسامحتك تصب في مصلحة الجريمة لأنها تشجع على الإجرام فهي بذلك دليل على أنانيتك لأنك لم تأبه لمن قد يستهدفهم هذا المجرم بعدك ، وموقفك ضده يجب أن يكون موقفاً ضد الجريمة وضد الشر وضد الظلم ، ويجب أن يكون واضحاً وأبدياً وأزلياً لا يغيره شيء، فهو بذلك يكون مشرفاً ولا يمكن أو يوصف بالحقد إلا على سبيل المغالطة. أما التصرف السليم للمعتدي إذا أظهر ندمه فيجب عليه إعادة الإعتبار والإستعداد للعقوبة المحددة حسب القانون ، وليس له أن يطالب المعتدى عليه بمسامحته أو نسيان الموضوع أو معاملته بشكل اعتيادي حسب نوع العلاقة بينهما أو بعدم الحذر منه.


وكذلك مساوئ الأخلاق تعدّت ما يشمله مفهوم الشر والنوايا العدائية إلى بعض الصفات التي تفقد الناس مصداقيتهم والثقة فيهم في نظر الآخرين ، وبعض هذه الصفات يندرج تحت بند اللامبالاة و العبثية كالكسل والثرثرة  غير ان البعض الآخر صُنِّف من ضمن المساوئ لأنه يعرقل المعاملات التجارية والقضائية وما في معناهما كالكذب وعدم الوفاء بالعهد وهذا يبرر أهمية تصنيفها كمساوئ، بالإضافة إلى عدم الثقة فيمن ينتحلها ، ولكنها مع ذلك تستعمل بكثير من المغالطة  سواءاً بازدواجية المعايير أو تمييع المعنى واستخدامه في غير موضعه ، أو قد تكون فارغة المعنى وتستعمل لتسويغ الإضطهاد لفئات معينة في المجتمع مثل الخيانة..



الكسل..

خلق الكسل هو أكثر الأخلاق ظلماً فقد صنفته المسيحية ضمن الخطايا السبع المميتة وكفّر الإسلام المتكاسلين عن أداء الطقوس اليومية أو جعلهم من المرتكبين للكبائر على أقل تقدير ،مع العلم إن الكسل قد لا يكون بإرادة الشخص بل كنتيجة لبعض الأمراض أو الضعف العام وهو مع ذلك لا يسبب ضرراً على كل حال، غير انه قد يجعل المصاب به عالةً على المجتمع إذا لم يكن له مورد رزق يعتاش منه ، ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الناس يصنفونه كنقيصة وخلق سيء  ،  فهم عادةً لا ينتبهون إلى ظاهرة الكسل إذا كان المصاب به مليونيراً مترفاً مثلاً ، مما يجعلنا نعتقد إن بعض الأخلاق السيئة صُنّفت كذلك لإبعاد شبح الفقر والفناء  عن المجتمع وكآلية من آليات البقاء لا أكثر.


الكذب ..

يجعل الكذب العلاقات بين أفراد المجتمع صعبة وإذا كان الكذّاب حراً في كذبه فالناس أحرار كذلك في تجنبه وعدم الثقة فيه ، وعادةً ما تستعمل السلطة والكهنوت الديني الكذب والتزييف ويبيحونه في المؤامرات بدعوى إن "الحرب خدعة" ويحرّمونه في الأمور الترفيهية كإطلاق النكت البريئة أورواية القصص الخيالية ، فيما هم يجبرون المواطن على الصدق لأنهم لا يريدونه أن يلف ويدور معهم وفي نفس الوقت يجيزون لأنفسهم الكذب ويجبرون الناس على تصديقهم  ليسهلوا من عملية غسيل الأدمغة ولتسخيرهم في أغراضهم وطموحاتهم.  
ولكي لا نخلط الأمور ببعضها نحن نعلم إن من حق الإنسان أن يقول ما يشاء وليس من حقنا أن نجبره على الإدلاء بمعلومات صحيحة إلا في نطاق المعاملات الإدارية والقضائية التي تستلزم الصدق، وهذا يختلف بالطبع عن المزاح والنكت البريئة والروايات الخيالية التي يضخم كثير من المتدينين أمرها وإذا أخذنا في اعتبارنا إن المبدأ الأساسي للأخلاق أن يقتصر الخلق السيء على ما ينطوي على ضرر للآخرين بشكلٍ أو بآخر فقد لا نرى في خلق الكذب ما يُدرجه تحت هذا التعريف ، ولتوضيح مكانة الكذب وموقعه بالنسبة لمفهوم الشر يمكننا تمييز كل ما يتعلق بالشر (كنقيض للخير) وفصله بوضوح عن الأمور التي تتعلق بالباطل (كنقيض للحق) ، فالكذب من حيث هو باطل ليس أمراً شريراً بقدر ما هو عبثي وعديم الفائدة ، فجوهر الأخلاق في قيمة الخير وجوهر العلم في الصدق وهما منفصلان تقريباً ، مما يعني إن تناقض الكذب مع الأخلاق ليس جوهري وأساسي بل هو أمر عارض ، ورغم إن الإنسان يحتاج في حياته اليومية لأن يتعامل مع من لا يتكلم إلا صدقاً  فإنه لا أحد يستسيغ أن يسميه شريراً إذا قدم إليه معلومات كاذبة حتى لو كان يقصد ذلك. لذلك ميز الفلاسفة بين قيمة الخير والحق في مثلث القيم المعروف (الحق-الخير-الجمال) ، فالكثير مما صنفه الناس كخلق سيء  لا يمت إلى جوهر الأخلاق بصلة فهم صنفوه كذلك إما لأنهم يشمئزون منه أو لأنه يفقد المصداقية والثقة ،  والكذب من أول الأمور التي تفقد المصداقية  وذلك إذا كان في أمور جدية  تستدعي الثقة ، وإذا كنّا نقصد تزييف الحقائق وشهادة الزور كاتهام الناس ظلماً بأمور لم يرتكبوها فإن مكمن الشر هنا ليس في الكذب بحد ذاته بقدر ما هو توظيف الكذب في الإضرار بالناس  .

الخيانة..

اصطلاح الخيانة العظمى يضعه أشخاص تمكنوا بالقوة من استعباد فئات من البشر داخل مواقع جغرافية محددة اصطلح على تسميتها دول أو أوطان واعتبروا كل من بداخلها عبيد وحلفاء بالقوة ومن يتعامل مع فئات أخرى خارج هذا الموقع الجغرافي ويتحد معه لرفع الظلم يصبح خائناً خيانة عظمى .
لا أحد منطقياً يحق له أن يلزم الناس بالولاء والتحالف القسري معه بناءاً على قرابة الدم أو القبيلة أو الوطن أو زمالة العمل ما لم ينص إتفاق مكتوب بينهما أو عقد عمل أو معاهدة  على ذلك وبموافقته بشكل واضح لا يقبل التأويل. ويمكننا تسمية الإعتداء الغير متوقع والمخالف لبنود المعاهدة خيانة أما غير ذلك فيظل اسمه اعتداء إذا كان بطريقة مباشرة أو غدر إذا كان بطريقة غير متوقعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق