الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

تفاهة مبدأ العقوبات الإصلاحية وضرورة القصاص في المجتمعات الحرة

قلنا في مقالٍ سابقٍ أنه لا يوجد ذنب ولاخطيئة، أما في هذا المقال فنقول "لا حدود ولا عقوبات"، والمقصود لا عقوبة إصلاحية كما يقول العلمانيون ولا عقوبة تطهيرية كما يقول المتدينون. فكما إنه لا حقيقة لمفهوم الخطيئة فلا مبرر للعقوبة. نعم هناك مبرر قوي للقصاص واسترداد الحقوق عبر قضاء عادل وقوة يستعين بها هذا القضاء لاسترداد الحقوق.
قد يكون مفهوم القصاص بغيضاً لما فيه من معاني الحقد والتشفّي، لكنه في حقيقته هو الوجه الآخر لاسترداد الحقوق، وهو تجلٍّ واضح من تجليات قانون المساواة بين البشر، فحفظ حقوقهم بالتساوي مع عدم اعتداء طرف على آخر أمرٌ بديهي، والإعتداء إمّا أن يكون على المال (بالسرقة مثلا)ً أو على الجسد (بالضرب مثلا)ً أو العرض (بالإهانة والإنتقاص من الكرامة ولو لفظيا)ً، وبما إن إصلاح الضرر الواقع على الضحية وحفظ حقها في ذلك بديهي بقدر بداهة المساواة في الآدمية فلابد للمجتمع من قوة تعينهم على ذلك، وهنا تكمن أهمية ما يسمونه " الشرطة" أو "رجال الأمن".
وضرورة وجودهم تنبثق من حقيقة عدم التساوي في القوة بين البشر، مما يجعل نسبة كثيرة من البشر تحتاج اليهم لاسترداد حقوقهم والقصاص بالنيابة عنهم من المعتدين عليهم.
يجب أن نفهم إن عدم وجود القصاص يعني شرعنة الإعتداء والقبول بتسلط أفراد على آخرين، والفرق بين ما نقوله هنا وما هو مطبّق الآن في الأنظمة الحديثة هو تركيزهم على الجانب التربوي والإصلاحي وحماية المجتمع ككل من الجريمة، بينما المبدأ الذي نؤكد عليه إنه لا ينبغي للقضاء أن يتعامل بطريقة أبوية أو تربوية أو حمائية للمجتمع، لأن التعامل بهذه الطريقة منافٍ لليبرالية الحقيقية، ومنافٍ لمبدأها الأساسي الذي يؤكد على التساوي بين البشر مهما كانت الظروف.
القصاص هنا هو تطبيق لقانون رد الفعل، الذي يقول إنه لكل فعل رد فعل مساوٍ في المقدار ومضاد في الإتجاه، وهو مساوٍ بقدر تساوي الجلاد مع الضحية، ومادام البشر كلهم متساوون فيحق لكل من وقع عليه ايذاء جسدي ومعنوي أن يرد بنفس المقدار، وإذا لم يستطع فعليه أن يوظّف من يعينه على ذلك ليوقع القصاص بالنيابة عنه، وهو ما يقوم به القضاء والشرطة. مع التركيز هنا على إن احتكار هذه الجهات للسلطة لا ينبغي أن يحولها إلى دولة دكتاتورية. نحن نعلم ان هذا هو المسار الطبيعي الذي تتكون به أغلب الدول ثم تتحول تدريجياً إلى دكتاتوريات، ولكن ذلك يتم لأن المؤسسات التالية التي تتكون بطريقة تراكمية تنسى في الغالب الهدف الحقيقي الذي وضعت من أجله فتسير في عكس الإتجاه الذي وضعت له، فتتحول السلطات الأمنية إلى مصدر رعب للمواطن، ثم تبدأ في تجييش المواطن أو استعماله للتجسس وغيره من مظاهر الإستعباد العصري.





والليبرتارية بشكلها المتطرف الذي نؤمن به تكتفي بالحد الأدنى والبديهي من السلطة واحتكار القوة، ولا تقر إلا بالحماية من الإعتداء المتبادل، فلا حماية للمجتمع من المخدرات، ولا من الجنس والعري، ولا من الأفكار الهدامة، ولا من الأديان والإتجاهات الشاذة، سواء أكانت شذوذ جنسي أو عبادة للشيطان، ولا تجريم للإنتحار ولا وصاية على الأطفال لمنعهم من تعاطي المخدرات أو ممارسة الجنس مادام ذلك يتم بدون إكراه أو استغفال. فالحرية المطلقة أمرٌ بديهي، ومن أقدس الحقوق الإنسانية، والإرادة الحرة ينبغي أن لا تُقيّد بشكلٍ من الأشكال إلا فيما يخص بالإعتداء على الآخرين.
وإذا قبلنا بتقييد حرية الأشخاص تحت سن قانونية معينة بحجة إنهم لا يعرفون مصلحتهم فما الذي يمنع الحاكم أن يقيّد حرية البالغين وأن يستعبدهم بنفس الحجة، فالناس يتفاوتون في قواهم العقلية أحياناً بشكل يفوق تفوقهم على صغار السن.
قد يرفض هذا المبدأ الكثير من العلمانيين والمتدينين على السواء، متذرعين بأن هذا سيفتح باب استغلال الأطفال ، وكلاهما لا يستطيع انكار تناقضه مع مبادئه حين يشجب هذا المبدأ البسيط، فالمتدين لا ينكر إن الأطفال لطالما انتُهكوا جنسياً تحت غطاء الحماية الدينية والأبوية، فمثلا قد نجد في كثير من المجتمعات زواج الأطفال الذي يتم قبل بلوغهم وبدون رضاهم -في أغلب الأحوال-، ويُعتبر في عُرف أغلب القوانين الحديثة اعتداءاً جنسياً وبيدوفيليا ومجلبة للعار والملاحقة القانونية، وهذا يجعل مفهوم الإستغلال الجنسي نسبيا. الطفل عادة ما يظل تحت حماية أبويه باختياره وبشكل فطري، ثم ينطلق في الحياة باحثا عن استقلاليته عندما تتاح له الفرصة لكسب عيشه والإعتماد على نفسه، وبالتالي فإن الخوف من عواقب التحرر المبكر مبالغ فيها، كما إن الأعراض الجانبية لإطلاق الحريات كثيرا ما تكون كارثية ولكن لا ينبغي مع ذلك منعها، حتى لو لم تصل إلى مرحلة التوازن والإستقرار الطبيعي للمجتمع بعد مرحلة التغيير، لأن الحرية حق أساسي لا يقبل الإستثناءات الزمنية أو الظرفية.
الليبرتارية تؤكد إن الطبيعة في كثير من الأحيان تكون أرحم من سلطة الدين أو الدولة أو القبيلة، بدليل إن أكثر الحروب قامت بسبب هذه المؤسسات المصطنعة، و التاريخ يؤكد إن هذه المؤسسات تأخذ باليد اليسرى أضعاف ماتعطيه لك باليد اليمنى، سواءاً كانت تعطي خدمات مادية أو معنوية، وسواء كانت تلك الخدمات خدمات أمنية أو تعليم مجاني أو علاج صحي أو تقاعدي أو دعم السلع أو ما تقدمه من خدمات معنوية مزيفة كالروابط الإجتماعية .
الشكل المقترح هو قضاء يحل النزاعات بناءا على قانون يوضع بالتوافق لا يتعدى الى الخصوصيات ولا يعتبر الا مبدأ عدم الاعتداء، ولا يتجاوز ذلك الى محرمات ثقافية من خمر وجنس وشذوذ ... وبالتالي يحتاج الى قوة للقبض على المعتدي لاسترداد ما سرقه او ايقاع عقوبة ردع للمجرم حسب نوع وكم الايذاء الذي اوقعه على الضحية... العقوبة تكون بشكل يعيد التوازن في قانون عدم الايذاء ... والاذى يشمل كل ما يسبب الالم ويدمر جزء من أو كل سعادة المرء أو ما يقود الى سعادة المرء.
بالتالي فإن الاعتداء على خصوصياته او مضايقته او ايذاءه جسدياً أو معنوياً بشكل يهدم كرامته... كل هذه الأمور تعامل معاملة نهب الممتلكات وكما ينبغي استرداد الممتلكات فكذلك ينبغي استرداد الكرامة وارجاع ميزان المعاملة بالتساوي بين البشر عن طريق تمكين الضحية من ايقاع الضرر بنفسه او بالوكالة.
قد يكون ايقاع الضرر بالوكالة - بواسطة الشرطة - غير كافٍ بالنسبة للضحية ، لأن الأصل أن يسترد حقه لا أن يأخذه غيره عنه بالوكالة، لذلك يرجع ذلك الى الضحية ، ولا يسوغ ترك هذا الحق إلا لضعفه او عجزه... وهو الأصل والمبرر لوجود ما نسميه شرطة وينبغي اقرار الحد الأدنى الضروري من تدخلها فقط ، وينبغي ان نعلم ان أساس وجودها هو عجز المواطنين عن ارجاع حقوقهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق