الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

تحرير التعليم

الليبرالية الحقيقية لا تؤيد دعم السلع ولا الخدمات... فالدولة لا تقدم تعليماً مجانياً وبالتالي قد تتضرر نسبة من الطبقات الفقيرة جداً في المجتمع وتزيد نسبة الأمية... وهذا اعتراض وارد والرد عليه ينطلق أساساً من الرجوع إلى الوضع الطبيعي، والوضع الطبيعي للأمور هو أن تنفق على نفسك بنفسك ولا أحد يلزم غيرك بأن يصرف عليك إلا إذا فعل ذلك راضياً بشكل من أشكال الأعمال الخيرية، أما أن تأخذ الدولة الضرائب من الأغنياء بشكل إجباري لتنفقها على الفقراء فإن هذا يتنافى مع المنطق والدين.
يجب أن نعلم إن الدولة بالشكل الذي نطمح إليه هنا لا تكاد تكون دولة بل مجرّد كيان إداري بسيط للقيام بالمهام الأساسية وهي لا تقيّد المواطنين بالضرائب ولا تستعبدهم بالتجنيد الإجباري ولا تورطهم في خوض الحروب وبالتالي فهي تضع عن كاهل الشعوب كثيراً من الهموم والمشاكل وكذلك العراقيل التي تعوق رأس المال وبالتالي يتحسّن المستوى المعيشي لكل من لديه المال أو الخبرة أو الإبداع ،  ولا يستلزم ذلك أن يكون كل المجتمع متعلماً تعليماً عالياً، بل إنّه من السلبيات التي تعانيها كثير من الدول التي تدعم التعليم مسألة بطالة أصحاب الشهادات العليا،  وبالتالي فإن المال والوقت اللذان يصرفان في التعليم يذهبان هدراً وهو ما ينبغي التركيز عليه لأن نسبةً كبيرةً من هؤلاء المتعلمين لا تستفيد من ٩٠٪ مما تعلموه في مدارسهم، فالكثير منهم يضطرّ لممارسة أعمال يدوية لا دور للكتابة والقراءة فيها ومن يسعفه الحظ لممارسة عمل مكتبي أو أي عمل قد يحتاج فيه لمهارات القراءة على الأقل فسيجد إن بقية المواد التي درسها خلال التعليم الأساسي والتي استهلكت ٩٠٪ من الوقت والتكلفة التعليمية لا دور لها إطلاقاً في حياته، وبنظرة إحصائية بسيطة فسنجد إن كمية كبيرة من الموارد المالية تذهب هدراً ، ولو أضفنا الفاقد الزمني مع الفاقد المالي بالإضافة إلى  إمكانية تدريب هؤلاء الأطفال في وقت مبكّر على الأعمال التي سيشغلونها فعلاً فإننا سنكتشف إن الدولة التي تدعم تعليم أطفالها تُفقِرهم أكثر مما تغنيهم وتفقر نفسها وتفقر المجتمع ككل، خصوصاً حين نعلم إنّ دعم التعليم يكون من الضرائب المسلّطة على أولياء أمورهم وليس من حرّ مال الدولة.
المشكلة إنّ أغلب الوظائف في دول العالم الثالث لا تحتاج لما يتعلمه هؤلاء خلال التعليم الأساسي، وبالتالي فإن النظرة الواقعية التي ستنجم من تحرير التعليم بهذا الشكل قد تقود إلى إعادة تشكيله بحيث يطغى التدريب المهني الفاعل على التعليم النظري وكذلك يطغى التعليم التخصصي ( الذي قد يستثني المواد الدراسية التي لا يحتاج إليها الطالب وذلك حسب الموارد المالية والمستوى الذي توفّره المدرسة أو المعهد أو الجامعة) ، فتعدّد المستويات والتخصّصات سيكون نتيجة طبيعية لتحرير التعليم من طغيان الدولة وخصخصته، وسينجم عن ذلك بالضرورة ظاهرة "عمالة الأطفال" وهي الظاهرة التي يجب إعادة النظر فيها كما أشرنا سابقاً وهي جزء من حقوق صغار السن القادرين والطامحين للحصول على عمل في وقت مبكر من حياتهم ، وهو حق طبيعي شوّهته الحضارة المعاصرة، أمّا الخوف من استغلال الأطفال واستعبادهم فهو أمر زائد وموضوع آخر لا يخصّ الأطفال وحدهم ويمكن الحدّ منه بوضع قوانين تحمي حقوقهم وليس بالمنع الجذري لفكرة عملهم في هذه السن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق